أبيض أكثر من الثلج..

طباعة

خرجت مجموعة من الصيادين لتصطاد في إحدى غابات إنجلترا.. وقادتهم أقدامهم إلى أعماق هذه الغابة، حيث شاهدوا حيواناً فريداً أكبر قليلاً من الأرنب وأصغر من الدب.. لكن ما شد انتباههم في هذا الحيوان الفريد هو فروته ناصعة البياض... أكثر إشراقاً من فروة الدب وأنصع بياضاً من فروة الأرنب وأطول وأغزر شعراً من فروة الثعلب.. وعلى الفور أطلق أحدهم رصاصته، التي أردته قتيلاً... وقدموا فروة هذا الحيوان الفريد هدية لملكة إنجلترا، ارتدتها في حفل من حفلاتها المتميزة.. فكانت بحق ملكة تتلألأ وسط الحاضرين بسبب الجاكت الفرو الذي تكسوه فروة هذا الحيوان الأبيض النادر...

بعد الحفل تهافتت الأميرات على الملكة، ليس فقط لتحيتها في هذا الحفل، بل لمعاينة هذا الفرو عن قرب.. ولاحظت الملكة شغف أميراتها الصغيرات بهذا الفرو، فأرشدتهم إلى مجموعة الصيادين الذين أتوا لها به... وقتها أدرك الصيادون أنهم أمام كنز فريد يتمثل في هذا الحيوان... فعاود الصيادون خروجهم إلى نفس الغابة، وبعد أن قضوا أياماً ينتظرون ظهور هذا الحيوان الفريد.. فجأة جاء هذا الحيوان.. ولكنهم هذه المرة قرروا ألا يقتلوه، بل اصطادوه حياً، وأخذوه إلى عالم من علماء الحيوان في جامعة أكسفورد... وطلبوا منه دراسة طباع هذا الحيوان حتى يتسنى لهم اصطياده بسهولة ويُسر... ليعرفوا ماذا يحب؟ وماذا يكره؟ ما هي أفضل الوسائل لجذبه؟ وما هي أيسر الطرق لاقتناصه؟... إنه كنز هبط عليهم من السماء..

 

وبعد أربعة أشهر رجعوا إلى هذا العالم، فوجدوه مبهوراً معجباً فخوراً بهذا الحيوان... وقال لهم:"ما أعظم الدرس الذي تعلمته من هذا الحيوان خلال هذه الشهور!!!... إن هذا الحيوان على أتم الاستعداد لأن يواجه الموت بشجاعة، رافضاً أن تتسخ فروته... إنه يدرك أن بقاء فروته بيضاء نظيفة هو أول وآخر اهتماماته.. فهي بالنسبـة لـه أهـم من الطعام ومن الشراب، بل وأهم من الحرية، بل وأهم من الحياة بجملتها.." ثم قدم لهم نصيحته الذهبية:"

إن أردتم اصطياد هذا الحيوان بسهولة، ليس عليكم إلا أن تضعوا القذارة والطين في جحره، وحين يدركه الخطر، ويهرب إلى هذا الجحر ويجد فيه ما يعرِّض فروته للقذارة، وقتها سيستسلم مفضلاً الموت عن الفروة القذرة...

ما أروع هذا الحيوان الذي أدرك أنه لا قيمة للحياة دون استقامة، فالصراع الحقيقي هو الصراع ضد نزوات النفس ورغباتها الجامحة، فالانتصار الحقيقي في معركة الحياة، هو تدريب النفس على الرضى بين الجوع والشبع، الغنى والفقر، فنميز بين الخير والشر ، فليس كل ما يلمع ذهباً...

 

قديماً قال جورج برنارد شو: "من الأفضل أن تحتفظ بحياتك طاهرة ونقية فحياتك هي النافذة التي من خلالها ترى العالم.. ولعل السؤال الجوهري الآن، هو: كيف يمكن أن نحتفظ بحياتنا بيضاء في أيام انتشرت فيها أقنعة الخير التي تخفي وراءهــا الكثيــر مــن الغـــش والرياء والخداع... أين الطريق للقلب الأبيض بياضاً أكثر من الثلج؟

اسمح لي أيها القارئ العزيز أن أضع بين يدك بعضاً من علامات هذا الطريق:

- اهتم بالنقاء حتى في أصغر أمور حياتك. فكلما كان فلتر حياتك أضيق، كلما أنتج ماءً أنقى... فالنظرة المنضبطة للجنس الآخر ستقي من ممارسات وانحرافات خطيرة فيما بعد.. والمدقق في انتقاء ألفاظه، لا تخرج منه العبارات النابية... نعم، فمعظم النار من مستصغر الشرر ...

- قل "لا" للتجربة. فما أسهل أن تقل "لا" في أول منعطف السقوط ، لكن إن لم تقلها رافضاً الشر، فقد يأتي وقت لا تستطيع فيه أن تقول "لا".

- لا تأتِ بفعل تخشى أن يفضحك يوماً ما أمام الناس، فعين الله ترى حتى في الظلام.. فليس خفي إلا ويُعلم، ولا مكتوم إلا ويُستعلن..